ما المهارات التي يحتاجها الشباب كي يرتقوا في عالم اليوم المعقد؟
يتحدث اللورد ديفيد بوتنام إلى مجلة INSIGHTS حول تنمية الهوية الشخصية والإبداعية، والتأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على التعليم، وحاجة المدارس إلى التركيز على ازدهار الفرد أثناء إعداد الشباب لمستقبل يزداد غموضًا.
ديفيد هو رئيس المجلس الاستشاري للتعليم في نورد أنجليا، والذي يقدم منظورات خارجية لتطوير وتعزيز الطرح التعليمي للمؤسسة عبر شبكتها العالمية من المدارس.
قد يبدو من البديهي ذكر كلمة "القدرة على الصمود"، إلا أنه ربما لم تكن هناك حاجة قط إلى صفة أكثر أهمية منها في زمن السلم.
أعتقد أن المدارس تنمي وعيًا أكبر بالصعوبات التي يمر بها الكثير من الأطفال، وأهمية إيجاد الاستجابة الأنسب والأكثر تعاطفًا. أعتقد أن النجاح في هذا الأمر سيثبت أنه عامل رئيسي يميّز بين المدارس في المستقبل.
نحن الكبار، نتعلم طوال الوقت. على سبيل المثال، ما وجدته الأكثر إثارة للاهتمام في مسلسل قناة Netflix Adolescence هو أن الشباب يستخدمون الرموز التعبيرية على أنها لغة. لم أقابل بعد شخصًا بالغًا يمكنه أن يدّعي بصدق أنه فهم ذلك.
ما لم نفهم طبيعة هذا النوع من "المحفزات"، فكيف يمكننا مناقشة تداعياتها، ناهيك عن التأقلم معها؟
إن الاستراتيجيات التي تطبقها المدارس لمساعدة الشباب على اجتياز ما يمكن أن يكون فترة صعبة للغاية في حياتهم لها علاقة وثيقة بمدى نجاحهم في التعامل معها.
إننا نحاول مساعدتهم على الإجابة على السؤال الوجودي، "من أنا ؟"
أقوم بتدريس ما بين خمسين إلى ستين ندوة سنويًا لصانعي الأفلام الطموحين، وأهم شيء أحاول تشجيعهم عليه هو إدراكهم بشكلٍ أفضل لهويتهم.
عند القيام بذلك، أتحدث كثيرًا عن تقلبات مسيرتي الشخصية.
أحاول أن أشرح أن المادة الخام الوحيدة التي يبدأ بها راوي القصص هي تجربته الحياتية، ستندهش من عدد صانعي الأفلام الطموحين الذين يندهشون من ذلك!
لقد كنت دائمًا من روّاد السينما المتحمسين، وفي سن الخامسة عشرة ذهبت لمشاهدة فيلم يسمى East of Eden بطولة جيمس دين. لقد أتاح لي هذا الفيلم الوصول إلى أي عدد من التعقيدات التي كنت أخفيها بداخلي. على سبيل المثال، كنت أعشق والدي، ولكن نظرًا لأنني لم أقابله حقًا حتى بلغت الخامسة من عمري تقريبًا، فقد أصبحت العلاقة معقدة في بعض النواحي.
يحتوي الفيلم على سطر: "الإنسان لديه القدرة على الاختيار، واختياراته هي التي تجعل منه إنسانًا".
وإذا نظرنا إلى الماضي، كنت أعاني فقط من أنواع القلق التي كانت لدى كل مراهق تقريبًا في جيلي، لكنني أعتقد أن نموي قد بدأ منذ سبعين عامًا عندي إدراك أن، نعم، لدي بالفعل اختيارات بشأن الشخص الذي أريد أن أكونه. وقد حدث ذلك في الأفلام!
أعتقد أن المدارس ومعلميها يُطلب منهم الإتيان بإجابات لعدد غير عادي من القضايا. إنهم مطالبون بلعب دور في تطور مجتمع أكثر تعقيدًا وعمقًا من أي جيل في الماضي.
لم يعد الأمر يتعلق بحشو المعرفة في أذهان الأشخاص، وجعل الطلاب يجتازون اختبارات الرياضيات، أو تعليمهم أن يكتبوا بطريقة مفهومة. إنما يتعلق الأمر بكيفية التطور كبشرٍ في وقت قد نكون فيه نوع مهدد بالانقراض.
قبل بضعة أشهر، كنت أتحدث إلى مديرة إحدى مدارس نورد أنجليا الثانوية في بانكوك حول رأيها في تأثير الذكاء الاصطناعي على التدريس والتعلم، وقد قدمت ما أعتقد أنه رؤية غير عادية: "لم أعد أستطيع رؤيتهم كمجموعة. كل واحد منهم فرد، وأنا بحاجة إلى قضاء بعض الوقت للتعرف على كل واحد منهم بشكلٍ أفضل".
يقدم لنا الذكاء الاصطناعي الفرصة لفهم أعمق لكل طالب كفرد، ولكل احتياجاته التعليمية، ومن ثم، نوفر لهم إمكانية تحقيق نتائج أفضل. الأمر يشبه إلى حدٍ ما جراحة الليزر. يمكنك أن تصبح أكثر دقة بشأن ما يحتاجه كل طفل، وأين تكمن مشاكله وفرصه الفردية.
يثير الذكاء الاصطناعي بالفعل الكثير من القضايا المعقدة.
إذا كنا أذكياء، فيجب أن نتعلم درسًا كبيرًا جدًا من تطور وسائل التواصل الاجتماعي، إذا افترضنا أن الأمور بطريقةٍ ما ستسير على ما يرام، ولكن بالطبع، في النهاية، لم يكن هذا هو الحال.
كان من الصعب فصل الغث عن السمين ونحن نحاول فهم التأثيرات المختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي على حياة وقيم طلابنا.
كان من أول الأشياء التي ساعدتُ في تنظيمها في نورد أنجليا هي كلمة ألقتها البارونة بيبان كيدرون لمديرينا بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي غير المنظمة على النمو الانفعالي للشباب. أظن أننا كجمهور كنا مهذبين ومتجاوبين، لكن ما تكشّف لاحقًا أنَّنا — مثل الجميع — كنّا متغافلين.
سأكون قلقًا للغاية إذا أصبح المعلمون راضين كذلك عن الذكاء الاصطناعي.
مما لا شك فيه أنها تقنية لديها القدرة على أن تكون مفيدة للغاية. أستخدمه قليلاً، بشكل أساسي للمساعدة في تبسيط أو تنظيمي طريقة تفكيري. غالبًا ما تكون النتائج مفاجئة ويمكن أن تكون لا تُقدر بثمن، لكنها لا تصبح مفيدة حقًا إلا إذا طرحت الأسئلة الصحيحة تمامًا. إن جودة المدخلات هي التي تخلق القيمة المضافة.
أعتقد بصدق أن كل طفل لديه قدرة فطرية على تنمية خياله.
ما لا نجيده هو العثور على مكان هذا الخيال، وعلى أفضل طريقة لتحفيزه.
في كتاب هيلين لويس أسطورة العبقرية، تطرح نقطة مهمة حقًا: من خلال إسناد الإبداع إلى مجموعة صغيرة نسبيًا من "العباقرة"، فإننا نفصلهم بطريقةٍ غير بنّاءة عن تطلعات معظمنا في المجتمع. هؤلاء الرموز - موزارت، بيكاسو، أو تشابلن - الذين نُجِلهم كعباقرة هم أيضًا، من خلال العمل الجاد والالتزام، بارعون للغاية في إتقان حرفتهم على نحوٍ استثنائي .
إنهم بلا شك استثنائيون، لكنني أعتقد أننا نتخلى عن المسؤولية من خلال اعتبارهم فريدين تمامًا.
تجربتي الخاصة هي أنك تحصل على فترة تمتد لنحو اثني عشر عامًا يمكنك خلالها أن تنمي قدراتك الإبداعية والوثوق بها حقًا، حيث تكون قادرًا على استيعاب الدروس من أولئك الذين يقومون بأفضل الأعمال المبتكرة ومعرفة مستويات الطاقة التي تحتاجها للمنافسة. في كثيرٍ من النواحي، يعادل ذلك شكلاً من أشكال الرياضة البدنية.
إذا قبلت أن هناك هذا "الشيء"، فلنطلق عليه موهبة، فكيف يمكننا أن نضمن أن يحظى كل طفل بلحظة يتعرّف فيها على المثير الذي قد يطلق العنان لهذه الموهبة؟
لا توجد إجابة واحدة، ويجب أن يتحمل الآباء جزءًا كبيرًا من ذلك.
يجب أن نشجع الآباء على النظر إلى الإمكانيات التي يكتشفونها من خلال رؤية أكثر شمولية لمستقبل أطفالهم. رؤية يمكن أن تشمل التكنولوجيا ولكنها ليست مجرد تكنولوجيا، كما أنها لا تتعلق ببساطة بتأمين مستقبلهم من خلال حثهم على العمل في الخدمات المصرفية الاستثمارية!
ما يجب أن يفكر فيه الآباء حقًا هو المساعدة في إطلاق العنان لشغف أطفالهم، لأنه من خلال السعي وراء شغفهم يستطيع الطفل أن يصبح استثنائيًا - وربما أكثر سعادة.
لست متأكدًا تمامًا من الطريقة التي يمكن بها إتاحة الفرص للأشخاص كي يجدوا ما يمكن أن يمنحهم إشباعًا يدوم مدى الحياة، لكنني على يقين بأنك إذا أحببت شيئًا، فالأرجح أنك ستكون بارعًا فيه، وإذا كنت بارعًا فيه، ففرصك في أن تحيا حياةً مُرضية إلى حدٍ كبير تكون أعلى من المتوسّط.
إنني محظوظ لأنني استمتعت بالعديد من المحادثات مع مديرة المدرسة في نورد أنجليا في باتايا.
إنها مثيرة للإعجاب للغاية وأخبرتني أنها تقضي قدرًا هائلاً من وقتها في مقابلة الآباء والتحدث معهم، أثناء العمل وخارج ساعات العمل، حول إمكانات أطفالهم، والتعرف عليهم بشكلٍ واقعي. إنها ترى أنه من خلال الاقتراب من الآباء، فإنها تستطيع القيام بعمل أفضل في ربطهم بزملائها، وباحتياجات طلابها.
بصفتنا مجلسًا استشاريًا للتعليم، كلما ركزنا بشكلٍ جماعي على قضيةٍ ما، على سبيل المثال ما وراء المعرفة، أو التنمية المهنية، أو الحماية، فإن النتائج التي نحققها تميل إلى أن تكون أفضل وأكثر ديمومة مما توقعنا على الإطلاق.
في الآونة الأخيرة، على صعيد الحماية، أعتقد أننا أحدثنا فرقًا حقيقيًا. إن انضمام السير بيتر (وانليس) يمنحنا تركيزًا أكبر على مسؤولياتنا في مجال الحماية، إلى جانب رؤى جديدة في مجال الرفاهية بشكلٍ عام. يتمثل دور بيتر في العمل كمُقيّم مستقل لمدى جودة أدائنا. ومن الضروري أن يكون مستقلاً تمامًا.
وبالمثل، يتم تشجيعنا دائمًا في المجلس الاستشاري للتعليم على أن نكون مستقلين تمامًا. لقد كان أندرو فيتزموريس الرئيس التنفيذي لمؤسسة نورد أنجليا رائعًا في ضمان احتفاظنا بذلك الاستقلال.
لكنني حريص جدًا على ألا "ندور في حلقة مفرغة" في المجالات التي لن نرى فيها أبدًا نتائج ملموسة لجهودنا.
الأمر بسيط للغاية: جوائز التدريس الوطنية. أشعر أنني قمت بالكثير من العمل الجيد في وزارة التعليم لمدة خمس سنوات في مساعدة مهنة التدريس على إعادة تقييم نفسها وفرض الاحترام الذي تستحقه.
لقد ساعدت الجوائز في تكريم المهنة والاعتراف بها. الشيء الآخر الذي فعلوه هو المساعدة في التغلب على الفكرة السخيفة القائلة بأن جميع المعلمين متشابهون، لا فرق بينهم. في الواقع، هناك معلمون عظماء، ومعلمون جيدون، ومعلمون أقل جودة.
وقد كان من المنطقي تمامًا التعرّف على أفضل المعلمين والاحتفاء بهم؛ لمعرفة السر الكامن وراء نجاحهم ونأمل أن نحاكيه ونطمح إليه.
We use cookies to improve your online experiences. To learn more and choose your cookies options, please refer to our cookie policy.