04 June 2025
4 MINS

قوة بيئات التعلم ذات التصميم المتميز

قوة بيئات التعلم ذات التصميم المتميز  - The Power of Well-Designed Learning Environments قوة بيئات التعلم ذات التصميم المتميز  - The Power of Well-Designed Learning Environments

حينما كان أطفال كلير لاتاني لا يزالون في المدرسة، شاهدت بالمدرسة حجرة دراسية بلا نوافذ. كانت الجدران خالية تمامًا، دون حتى ساعة حائط، وكان الطلاب يجلسون في صفوف منتظمة على كراسي بلاستيكية صلبة.

وفي غضون خمس دقائق، كانت قد اتخذت قرار الخروج بسرعة.

تقول أستاذة هندسة المناظر الطبيعية في جامعة الولاية كاليفورنيا المتعددة الفنون في بومونا "ظننت أنني سأنفجر". "كان الأطفال يتعلمون في نوع من البيئات القاتمة الموحشة التي لا تشبه المنزل أو حتى أماكن العمل."

وتأثير البيئة المادية على المزاج ومستوى التفاعل والتركيز هو أمر موثّق تمامًا. تشير لاتاني، مؤلفة كتاب المدارس التي تشفي: التصميم الذي يضع الصحة النفسية في الاعتبار، إلى البحث الأمثل الذي يوضح كيف أن البيئة المحيطة يمكن أن تؤثر على رفاهية الأطفال.

تقترح إحدى الدراسات التي أُجريت على المدارس الثانوية أن الإطلالات من الفصول الدراسية وصالات الطعام بالمدرسة التي تضم عددًا أكبر من الأشجار والشجيرات ترتبط بتحقيق درجات أفضل في الاختبارات. وقد وجدت دراسة أخرى نتائج مماثلة.

تقول لاتاني " يكون الطلاب من جميع الأعمار أكثر هدوءً ولطفًا وإبداعًا في البيئات المدرسية التي تغمرها الطبيعة". "وليس المهم الجانب الخارجي فقط، رغم سهولة تغييره، بل الجانب الداخلي أيضًا."

مايك أليت، رئيس قسم تصميم الحرم الجامعي في تعليم نورد أنجليا، يتفق مع هذا الفكر، ويقول أن الاستخدام المبتكر للمساحات والمواد المختارة بعناية يمكن أن يقلل من التوتر، ويشجع على التواصل والتعاون والاستقلالية، ويسهل الانتقال إلى مرحلة التعليم العالي والعالم المهني.

وقد ساعد المهندس المعماري في تصميم مدارس جديدة تمامًا، بالإضافة إلى إعادة تهيئة المباني القائمة، في أنحاء مختلفة من العالم وفي بيئات متنوعة للغاية. تركيزه الأساسي؟ يقول أن تركيزه الأساسي هو على احتياجات الطفل، بما في ذلك السلامة، ورفاهية الطفل، والإبداع، والشمولية.

تشمل بعض الابتكارات أستوديوهات تعليمية بدلاً من “الفصول المربعة التقليدية ذات الممر في المنتصف”، ومساحات تشجع مجتمعات التعلم والاستقلالية، وتصاميم أكثر مرونة تدمج الطبيعة.

ويسأل قائلًا "قد يحتاج الأطفال أحيانًا إلى الجلوس في صفوف متجهة للأمام، لكن هل يمكننا جعل هذا الأمر مرنًا من أجل تمكين العمل الجماعي؟". "هل يمكننا إنشاء مساحة تسمح المُعلم المساعد بالعمل مع مجموعة أصغر مجاورة ولكن في مساحة خاصة بها بدلاً من التجمع في زاوية؟ هل يجب أن يكون الممر ضيقًا، أم يمكننا توسيعه قليلًا لإتاحة مساحات للعمل والاجتماع؟ هل يمكننا جلب ما بالخارج من مساحات خضراء وضوء طبيعي ومواد طبيعية إلى داخل بيئة التعلم؟

قد تكون الإجابة نعم بأعلى صوت. 

الذهاب إلى ما هو أبعد من الجماليات من أجل إطلاق إمكانات التعلم

تقول فرانسيس مورتون، مديرة في مدرسة نورث بريدج الدولية في كمبوديا، "نعلم أنه إذا كان المكان مظلمًا ولا ترى الطبيعة، فإن ذلك يؤثر على مزاجك ودافعيتك". وأضافت "أفنيتنا المدرسية مذهلة حقًا، وغير مألوفة في العاصمة بنوم بنه الممتلئة بالغبار حيث لا توجد العديد من المناطق الخضراء

تفتح جميع الفصول الدراسية في الطابق الأرضي على حرمٍ ممتلئ بالخضرة تبلغ مساحتهُ 20 فدانًا، بينما تؤدي الطوابقُ العُلويّة إلى شرفاتٍ مغطّاة. وتُعَدُّ مناطق اللعب المصممةُ بمواد طبيعية وحسّية امتدادًا للفصلِ الدراسي في مرحلةِ التعليمِ المبكِّر ومرحلةِ الحضانة. ومؤخرًا تم تركيب مظلات مصنوعةُ من أقمشة طبيعية لحماية الأطفالَ من أشعة الشمس.

ويهدف التجديد المستمر لمباني المدرسة إلى جعل المظهر الداخلي جذابًا بنفس القدر. وقد تم استبدال أرضيات اللينوليوم التي تشبه طراز السبعينيات بأرضيات من الخشب الفاتح اللون لإضفاء مزيدٍ من البهجة والإشراق. والأثاث المعياري الجديد قابل للتنسيق ليتناسب مع أنشطة مختلفة. كما تم استبدال الكراسي الصلبة بمقاعد ذات مرونة وحركة تتيح راحة أكبر.

يعمل المصممون ومديرو المدارس على جعل المساحات شاملة وجميلة في آنٍ واحد. فوجود طاولات قائمة مع مقاعد عالية يتيح للطلاب الذين يجدون صعوبة في الجلوس لفترات طويلة أن يقفوا أثناء العمل. كما أن العزل الصوتي الجديد على الجدران، والذي يُحسِّن جودة الصوت، يعمل أيضًا كلوحة عرض تعليمية. أما الأثاث المصنوع من الخشب الطبيعي، فيُضفي على الفصول الدراسية إحساسًا بمزيد من الإشراق والنظافة.

تقول مورتون "في نهاية اليوم، ما نريده هو مساعدة الأطفال على التركيز، لكن ذلك يزداد صعوبة بسبب نمط الحياة الحديث". "إذا أمكنك تنويع بيئات التعلم وجعلها أماكن جذابة بالفعل، فسوف تتمكن من جذب اهتمام عدد أكبر من الطلاب."

 

علم بيئات التعلم

تقول الدكتورة هيلين بَن، مديرة برنامج علم النفس التربوي وعلم نفس الطفل في جامعة شرق لندن ورئيسة إحدى أقسام الجمعية البريطانية لعلم النفس، أن التحفيز الزائد يمكن أن يعيق التعلم، لكن العكس أيضًا قد يكون له نفس التأثير.

تقول كذلك "إن قلة التحفيز أمر خطير". "ونقص عدد النوافذ يسبب الإحساس بالاختناق والرُهاب من الأماكن المغلقة، والإطلالات على الطرق المزدحمة ليست فعّالة بقدر الإطلالات على المساحات الخضراء، كما أن جودة الهواء المنعش تساعد على التركيز، والحركة ضرورية للرفاهية والعافية. والنصيحة المقدمة للموظفين هي عدم الجلوس في نفس الوضع لأكثر من 30 دقيقة، ولكن ماذا عن الأطفال أثناء الحصص الدراسية؟"

توصي الدكتورة هيلين بضرورة دمج أماكن يستطيع الأطفال الاسترخاء فيها. وبنفس القدر من الأهمية، يجب أن تكون هناك مساحات اجتماعية يُمكن للشباب أن يتواجدوا فيها مع أقرانهم في أجواء أقل رسمية.

يوازن أليت، رئيس قسم التصميم في نورد أنجليا، بين أفكار مثل "مجتمعات التعلم" وبين توفير وسائل تُمكّن الطلاب من الاستقلالية، مع الحفاظ على سلامتهم في جميع الأوقات.

يقول أليت "إن الباب الزجاجي أو النافذة الداخلية تتيح للمعلمين الحفاظ على اتصال بصري مع المساحات خارج حجرة الدراسة"

"فيستطيع المعلمون رؤية الطلاب والتأكد من سلامتهم، لكن الإشراف يكون غير مباشر. وهذا يمنح الشباب المزيد من السيطرة والاختيار بشأن المكان والطريقة التي يتعلمون بها."

مدرسة إيتون، وهي مدرسة من مدارس نورد أنجليا المتوسعة في مكسيكو سيتي، قد اشترت مؤخرًا مجموعة مبانٍ مجاورة وتقوم حاليًا بإعادة تصميمها. وقد تم الانتهاء بالفعل من تجهيز الفصول الدراسية للطلاب من عمر 15 إلى 18 عامًا، في حين من المقرر إنشاء مدرسة إعدادية جديدة، ومركزًا للتعليم المبكر، وصالة ألعاب رياضية مغطاة في المستقبل القريب. 

تم هدم الجدران الداخلية في المبنى الجديد واستُبدلت بزجاج لتوفير "منافذ رؤية" تطل على ممر مركزي يؤدي إلى بهو داخلي. كما تم إنشاء مساحات للاسترخاء والإبداع، تغمرها الإضاءة الطبيعية.

يقول جون ميلر، مدير المدرسة "في كل طابق، حيث يوجد مكتب أو غرفة اجتماعات، يمكنك رؤية كل الأمور الرائعة التي يقوم بها الطلاب". "كما أن المساحة الواسعة تخلق توقعًا مختلفًا لما يعنيه التعلم، وهو توقع يتماشى أكثر مع ما سيراه شبابنا عندما ينتقلون إلى الجامعة وأماكن العمل."

إن دفع الطلاب للخروج من الفصول المغلقة والدخول إلى "مجتمعات التعلم" كان هو الدافع وراء إنشاء مركزًا للفنون لطلاب الشهادة الدولية العامة للتعليم الثانوي (GCSE) وطلاب المستوى المتقدم (A-level) في مدرسة دوفربروكس، وهي إحدى مدارس نورد أنجليا في أكسفورد، إنجلترا.

هناك مخطط مفتوح وترتيبات تشبه الأستوديو مع حواجز فاصلَة، مما يسمح للطلاب في مستويات دراسية مختلفة — والذين يدرسون مواد مختلفة مثل الفنون الجميلة والهندسة المعمارية — برؤية ما يعمل عليه الآخرون.

يقول كمار فين، رئيس قسم الفنون "لقد وسّع ذلك الأمر آفاق الطلاب حقًا وعرّفهم على المزيد من الخيارات". "وسوف يرى الطالب زميله وهو يطوّر شيئًا ما فيقول: "عجبًا، هل يمكنني أن أفعل ذلك؟"

وعندما يقيم الفنانون الزائرون ورش عمل، يرى الطلاب ذلك ويطلبون المشاركة. فوجود أستوديو مفتوح يشجع الطلاب على القيام بأعمال طموحة. يقول فين: "نشاهد لوحات جميلة بأبعاد مترين في ثلاثة أمتار، وطلابًا موهوبين يتجاوزون منطقة راحتهم."

بالنسبة للسيد أليت، يُعتبر نموذج مدرسة دوفربروكس دليلًا على أن التصميم المدروس يمكن أن يُحدث فرقًا ملموسًا وإيجابيًا في التعلم.

ويقول أليت "إن التصميم الجيد الذي يركّز على احتياجات الطفل يمكن أن يخلق مساحات يتحرك فيها الطلاب بحرية أكبر مع شعورهم بالأمان والدعم في الوقت ذاته". "ومن الرائع رؤية الإبداع الذي يمكن أن يُلهمه هذا الأمر."